بسم الله الرحمن الرحيم }
إن
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات
أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا.
عجيب
حقاً أمر هذه الصلاة .... إنها متوغلة في كل جزيئات حياتنا فالإنسان منذ
ولادته يؤذن في أذنه من غير إقامة وعند موته يُصلى عليه من غير أذان وكأن
حياته بين أذان وإقامة - سبحان الله - هي خمس صلوات في اليوم والليلة ...
يبدأ الإنسان يومه الجديد بصلاة الفجر وإشراق جديد ، وأثناء الانهماك في
العمل تأتي صلاة الظهر فتقربه من ربه وتحييه من جديد ، ثم يكمل عمله مرة
أخرى فيصل إلى درجة التعب والإرهاق فتأتي صلاة العصر لتعيدَ النشاط والروح
لهذا الجسد ، ثم يستسلم للنوم فتأتي صلاة المغرب فتحييه بعد موت ، ثم تأتي
صلاة العشاء لتختم هذا اليوم الحافل وهكذا ...
وكأن هذه الصلوات هي
بمثابة محطات للوقود والطاقة لهذا الجسد الذي ما أن تخور عزيمته وتفتر
همته ويجهد هذا البدن الضعيف حتى تأتي هذه الصلوات فتزوده بالوقود الرباني
الذي يجعله يعيش في الأرض بالجسد ولكن روحه متصلة بالسماء .
تتفاوت
مراتب الناس في الصلاة فلنلقي نظرة على أحوال الناس مع الصلاة حيث هناك
خمس منازل ، انظري فيها وقيمي نفسك لتعرفي في أي المنازل أنت..... اعرضي
نفسك عليها وكوني صادقة مع نفسك :
المنزلة الأولى : وفيها الذي لا
يحافظ على وقت الصلاة ، ولا على وضوئها ، ولا على أركانها الظاهرة ، ولا
على خشوعها ، وهذا معاقب على صلاته بإجماع العلماء.
المنزلة الثانية :
وفيها الذي يحافظ على وقت الصلاة ، ويحافظ على الوضوء ، ويحافظ على
الأركان الظاهرة ،ولكنه مضيع للخشوع وهذا محاسب حساباً شديداً.
المنزلة
الثالثة : وفيها الذي يحافظ على وقت الصلاة ، ويحافظ على الوضوء ، ويحافظ
على الأركان الظاهرة ، وتراه يجاهد شيطانه في الصلاة يخشع في البداية ثم
يأتي الشيطان يسرق من صلاته فهو في صلاة وجهاد وهذا له أجران ، أجر الصلاة
فيما خشع فيه ، وأجر الجهاد لشيطانه.
المنزلة الرابعة : وفيها يحافظ
على وقت الصلاة ، ويحافظ على الوضوء ، ويحافظ على الأركان الظاهرة ، وخاشع
في صلاته ، وهذه منزلة رفيعة فلقد انتصر على الشيطان بعد جهاد مرير وهذا
مثاب.
المنزلة الخامسة : وفيها يحافظ على وقت الصلاة ، ويحافظ على
الوضوء ، ويحافظ على الأركان الظاهرة ، وعلى الخشوع ، وخلع قلبه وسلمه لله
عزوجل ، فهو ليس في الدنيا هو مع الله تبارك وتعالى ، فما عاد موصولا
بعلائق الدنيا ، وما عاد يرى ويسمع فربما مات الناس من حوله وهو لا يدري ،
وهذا مقرب من ربه جعلنا الله من أهل هذه المنزلة ، وهذا هو المقصود من
قوله عليه السلام : ( جُعلت قُرة عيني في الصلاة )
فهكذا لابد أن تكون
نظرة المسلم للصلاة وهكذا لا بد أن يكون إحساسه بها فهل هذا إحساسنا ؟
فالصلاة هي الدخول على الله وبمجرد قولنا ( الله أكبر ) يقبل الله علينا
وينظر إلينا ، ترى هل فكرنا في ذلك من قبل ؟ هل صلينا بهذا الإحساس وبهذا
الشعور؟ وبعد أن اتضحت لنا أهمية الصلاة ، بالرغم من ذلك لم نشعر بعد بهذه
المعاني ولا زالت الصلاة شاقة ولنا الحق في ذلك فعذرنا مقبول يقول الله
عزوجل ( وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين )
نعم إن لم نصلي بخشوع صارت الصلاة شاقة صعبة كبييييرة لذلك كيف نخشع ؟ سؤال يتبادر إلى ذهن الكثيرين منا أليس كذلك ؟
وللسؤال إجابة تنقسم إلى قسمين:
الشق
الأول : أن نخرج الدنيا من قلوبنا ونقلل شهواتنا ومعاصينا فلا يمكن أن
نشعر بحلاوة الخشوع إلا إذا خرجت الدنيا من قلوبنا وصارت في أيدينا
فالمشغول لا يشغل ، إن فعلنا ذلك سنخشع في صلاتنا .
أما الشق الثاني :
هو أن نفهم حركات الصلاة الظاهرة لنعلم أنه لا توجد حركة في الصلاة إلا
ولها أثر على قلوبنا ، فلنبدأ بالوضوء الذي هو طهارة للبدن والروح معاً ،
ودليلنا على ذلك حديث النبي صلى الله عليه وسلم :- ((إذا توضأ العبد
فتمضمض خرجت الخطايا من فيه ، فإذا غسل يديه خرجت الخطايا من يديه حتى
تخرج من أظافر يديه ، فإذا مسح برأسه خرجت الخطايا من رأسه حتى تخرج من
تحت أذنيه ، فإذا غسل رجليه خرجت الخطايا من رجليه حتى تخرج من أظافر
رجليه )). سبحان الله. والآن سنوجه وجوهنا للقبلة ولكن لابد أن نوجه
وجوهنا مع قلوبنا فكيف نتحرى القبلة بوجوهنا ولا نتحراها بقلوبنا كيف تكون
وجوهنا مقبلة للقبلة وقلوبنا مدبرة عنها يجب أن نتذكر هذه المعاني عند
التوجه للقبلة ونحرص على توجيه القلب قبل أي شئ آخر ، وبعد ذلك نستشعر
الوقوف بين يدي الله ونستشعر فقرنا إليه ونحن بين يديه مطأطئي الرؤوس ننظر
إلى الأرض ونتذكر أننا نقف هذه الوقفة مرتين الأولى في الصلاة والثانية
يوم القيامة لقوله تعالى : ( يوم يقوم الناس لرب العالمين ). ولننظر إلى
أدب هذه الوقفة يدنا اليمنى على يدنا اليسرى منتهى الأدب ، ثم بعد ذلك
نستأنف القراءة.....
** والناس في قراءتهم أصناف ثلاثة :-
1. صنف يحرك لسانه وقلبه غافل.
2. وصنف يحرك لسانه وقلبه يسمع كأنه يسمع من غيره وهذه مرتبة أصحاب اليمين.
3. وصنف قلبه يحس بالمعنى قبل أن يتحرك اللسان.
** وللحصول على هذه المنزلة يأتي بثلاثة أشياء :-
1. حفظ ما نستطيع من القرآن.
2. فهم مانحفظه .
3. تصفية القلب من المعاصي والذنوب .
ثم
بعد ذلك نستشعر الخضوع والذل والانحناء الروحي والجسدي لرب العالمين في
الركوع والسجود فالخشوع لا يأتي إلا عن طريق الذل فالذل باب العبودية
وكلما ذللنا لله أكثر كلما اقتربنا منه أكثر وهكذا علينا أن نشعر بكل حركة
وسكنة في صلاتنا وأن نحفر لها أثراً في أعماقنا حتى نصل لمنزلة المقربين .
وختاماً .. أنقل إليكم كلمات لم يقلها مسلم بل قالها راهب في قصة {اليمامتان} من وحي القلم للرافعي :
(
فلما صاحوا : الله أكبر ارتعش قلب مارية وسألت الراهب شطا : ماذا يقولون ؟
قال : إن هذه كلمة يدخلون بها صلاتهم ، كأنما يخاطبون بها الزمن أنهم
الساعة في وقت ليس منه ولا من دنياهم وكأنهم يعلنون أنهم بين يدي من هو
أكبر من الوجود فقد أعلنوا انصرافهم عن الوقت ونزاع الوقت وشهوات الوقت ،
فذلك هو دخولهم في الصلاة ، كأنهم يمحون الدنيا من النفس ساعة أو بعض ساعة
..انظري ، ألا ترين أن هذه الكلمة قد سحرتهم سحراً فهم لا يلتفتون في
صلاتهم إلى شئ ، وقد شملتهم السكينة ، ورجعوا غير ما كانوا وخشعوا خشوع
أعظم الفلاسفة في تأملهم).
انظرن أحبتي الكرام . هذا ظن الغير بنا نحن
المسلمين ، ترى ألا تستحق صلاتنا إلى إعادة نظر ، والله إن كلمات هذا
الراهب تحتاج إلى تدبر وتفكر ، أليس كذلك؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
((سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا الله أستغفرك وأتوب إليك)).