مكروب ومهموم ومحزون
الفرج بعد الشدة
قصص وعبر
(إن مع العسر يسرا)
يا أيّها الإنسان.. بعد الجوع شبع، وبعد الظمإ ريّ، وبعد السهر نوم، وبعد
المرض عافية، سوف يصل الغائب، ويهتدي الضالّ، ويفكّ العاني، وينقشع الظلام
(فعسى الله أن يأتي بالفتح أو بأمر من عنده).
بشّر الليل بصبح صادق سوف يطارده على رؤوس الجبال ومسارب الأودية، بشّر
المهموم بفرج مفاجئ يصل في سرعة الضوء ولمح البصر، بشّر المنكوب بلطف خفيّ
وكفّ حانية وادعة.
إذا رأيت الصحراء تمتد وتمتد، فاعلم أن وراءها رياضاً خضراء وارفة الظلال.
إذا رأيت الحبل يشتد ويشتد، فاعلم أنه سوف ينقطع.
مع الدمعة بسمة، ومع الخوف أمن، ومع الفزع سكينة.
فلا تضق ذرعاً، فمن المحال دوام الحال، وأفضل العبادة انتظار الفرج،
الأيام دول، والدهر قُلّب، والليالي حبالى، والغيب مستور، والحكيم كل يوم
هو في شأن، ولعل الله يحدث بعد ذلك أمرا، وإن مع العسر يسراً، إن مع العسر
يسراً.
د / عائض بن عبد الله القرني
كرب ومطر وجوع
عن أبي قلابة المحدث، قال: ضقت ضيقة شديدة، فأصبحت ذات يوم، والمطر يجيء
كأفواه القرب، والصبيان يتضوَّرون جوعاً، وما معي حبة واحدة فما فوقها،
فبقيت متحيَّراً في أمري. فخرجت، وجلست في دهليزي، وفتحت بابي، وجعلت أفكر
في أمري، ونفسي تكاد تخرج غماً لما ألاقيه، وليس يسلك الطريق أحد من شدة
المطر.
فإذا بامرأة نبيلة، على حمار فاره، وخادم أسود آخذ بلجام الحمار، يخوض في
الوحل، فلما صار بإزاء داري، سلم، وقال: أين منزل أبي قلابة؟ فقلت له: هذا
منزله، وأنا هو.
فسألتني عن مسألة، فأفتيتها فيها، فصادف ذلك ما أحبّت، فأخرجت من خفّها
خريطة، فدفعت إليّ منها ثلاثين ديناراً. ثم قالت: يا أبا قلابة، سبحان
خالقك، فقد تنوق في قبح وجهك، وانصرفت.
بعد فساد الزرع
قال بعض العلماء: رأيت امرأة بالبادية، وقد جاء البَرَدُ فذهب بزرعها،
فجاء الناس يعزّونها فرفعت رأسها إلى السماء، وقالت: اللهم أنت المأمول
لأَحسنِ الخلف وبيدك التعويض مما تلف، فافعل بنا ما أنت أهله، فإنّ
أرزاقنا عليك وآمالنا مصروفة إليك،
قال: فلم أبرح حتى مرّ رجل من الأَجِلاء، فحدّث بما كان؛ فوهب لها خمسمائة دينار، فأجاب الله دعوتها وفرَّج في الحين كربتها.
استحكمت حلقاتها
أضجع أحد الجزارين كبشا ليذبحه بالقيروان، فتخبط بين يديه وأفلت منه وذهب،
فقام الجزار يطلبه وجعل يمشي إلى أن دخل إلى خربة، فإذا فيها رجل مذبوح
يتشحط في دمه ففزع وخرج هاربا. وإذا صاحب الشرطة والرجالة عندهم خبر
القتيل، وجعلوا يطلبون خبر القاتل والمقتول، فأصابوا الجزار وبيده السكين
وهو ملوَّث بالدم والرجل مقتول في الخربة، فقبضوه وحملوه إلى السلطان فقال
له السلطان: أنت قتلت الرجل؟ قال: نعم! فما زالوا يستنطقونه وهو يعترف
اعترافا لا إشكال فيه، فأمر به السلطان ليُقتل فأُخرج للقتل، واجتمعت
الأمم ليبصروا قتله، فلما هموا بقتله اندفع رجل من حلقة المجتمعين وقال:
يا قوم لا تقتلوه فأنا قاتل القتيل! فقُبض وحُمل إلى السلطان فاعترف وقال:
أنا قتلته! فقال السلطان قد كنت معافى من هذا فما حملك على الاعتراف؟
فقال: رأيت هذا الرجل يُقتل ظلما فكرهت أن ألقى الله بدم رجلين، فأمر به
السلطان فقُتل ثم قال للرجل الأول: يا أيها الرجل ما دعاك إلى الاعتراف
بالقتل وأنت بريء؟ فقال الرجل: فما حيلتي رجل مقتول في الخربة وأخذوني
وأنا خارج من الخربة وبيدي سكين ملطخة بالدم، فإن أنكرت فمن يقبلني وإن
اعتذرت فمن يعذرني؟ فخلَّى سبيله وانصرف مكرَّما.
أبشر ولا تحزن
في الحديث عن الترمذي: (أفضل العبادة انتظار الفرج) وكما قال سبحانه:
(أليس الصبح بقريب)!.. صبح المهمومين والمغمومين لاح، فانظر إلى الصباح
وارتقب الفتح من الفتّاح، تقول العرب: (إذا اشتد الحبل انقطع) والمعنى إذا
تأزمت الأمور، فانتظر فرجاً ومخرجاً. وقال سبحانه وتعالى: (ومن يتق الله
يجعل له من أمره يسراً) وفي الحديث الصحيح: (أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي
ما شاء) وقوله تعالى: (فإن مع العسر يسرا. إن مع العسر يسرا) قال عمر بن
الخطاب – وبعضهم يجعله حديثاً- : (لن يغلب عسرٌ يسرين)، ومعنى الآية أنه
لما عرّف العسر ونكّر اليسر، ومن عادة العرب إذا ذكرت اسماً معرّفاً ثم
أعادته فهو هو، وإذا نكّرته ثم كررته فهو اثنان. وقال سبحانه: (إن رحمة
الله قريب من المحسنين)، وفي الحديث الصحيح: (واعلم أن النصر مع الصبر،
وأن الفرج مع الكرب)، وقال الشاعر:
إذا تضايق أمر فانتظر فرجاً
........... فأقرب الأمر أدناه إلى الفرج
يقول بعض المؤلفين: إن الشدائد – مهما تعاظمت وامتدت- لا تدوم على
أصحابها، ولا تخلد على مصابها، بل إنها أقوى ما تكون اشتداداً وامتداداً
واسوداداً، أقرب ما تكون انقشاعاً وانفراجاً وانبلاجا، عن يسر وملاءة،
وفرج وهناءة، وحياة رخيَّة مشرقة وضّاءة، فيأتي العون من الله والإحسان
عند ذروة الشدة والامتحان، وهكذا نهاية كل ليل غاسق فجر صادق.
فما هي إلا ساعة ثم تنقضي
......... ويحمد غِبَّ السير من هو سائر
حرّ العطش وبرد الفرج
قال أحد السلف: كنت في طريق الحجاز فعطش الناس في مفازة تبوك، فنفذ الماء
ولم يوجد إلا عند صاحب لي جمّال، فجعل يبيعه بالدنانير بأرفع الأثمان فجاء
رجل كان موسوماً بالصلاح عليه قطعة نطع يحمل ركوة، ومعه شيء من دقيق
فتشفّع بي إلى الجمّال أن يبيعه الماء بذلك الدقيق، فكلّمته فأبى عليّ ثم
عاودته فأبى. قال: فبسط الرجل النطع ونثر عليه الدقيق ثم رمق السماء بطرفه
وقال: إلهي أنا عبدك وهذا دقيقك ولا أملك غيره، وقد أبى أن يقبله. ثم ضرب
بيده النطع وقال: وعزّتك وجلالك لا برحت حتى أشرب! فوالله ما تفرقنا حتى
نشأ السحاب وأمطر في الحين فشرب الماء ولم يبرح. فكان كما قال النبي صلى
الله عليه وسلم: رُبَّ ذي طمرين لا يُؤبَهُ له مطروح بالأبواب لو أقسم على
الله لأبَّره.
يا مجيب الدعوات
أصاب الفقر والحاجة شيخ القراء في زمانه عاصم بن أبي إسحاق، فذهب إلى بعض
إخوانه فأخبره بأمره، فرأى في وجهه الكراهة، فضاق صدره وخرج لوحده إلى
الصحراء، وصلى لله ما شاء الله تعالى، ثم وضع وجهه على الأرض، وقال: يا
مسبّب الأسباب! يا مفتَّح الأبواب! ويا سامع الأصوات! يا مجيب الدعوات! يا
قاضي الحاجات! اكفني بحلالك عن حرامك، وأغنني بفضلك عمّن سواك، يلح على
الله بهذا الدعاء- حتى قال: فوالله ما رفعت رأسي حتى سمعت وقعة بقربي،
فرفعت رأسي فإذا بحدأة طرحت كيساً أحمر، فأخذت الكيس فإذا فيه ثمانون
ديناراً وجوهراً ملفوفاً في قطنة، فبعت الجواهر بمال عظيم واشتريت منها
عقاراً، وحمدت الله تعالى على ذلك.
-------------------
فيما يفرج به الهم والغم
دخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد ذات يوم، فرأى فيه رجلاً من الأنصار،
يقال له أبو أمامة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إني أراك جالساً في
المسجد في غير وقت صلاة، قال: هموم لزمتني وديون يا رسول الله! قال صلى
الله عليه وسلم: أفلا أعلمك كلاماً إذا قلته أذهب الله همك وقضى عنك دينك؟
قلت: بلى يا رسول الله! قال: قل إذا أصبحت وإذا أمسيت: اللهم إني أعوذ بك
من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل،
وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال، قال: ففعلت ذلك، فأذهب الله تعالى
همي وغمي وقضى عني ديني..
سليمة الخياط – اليمن
لا حول ولا قوة إلا بالله
جاء مالك الأشجعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أُسر ابني عوف. فقال
له: أرسل إليه فقل له إن رسول الله يأمرك أن تكثر من قول لا حول ولا قوة
إلا بالله. فأتاه الرسول فأخبره، فأكب يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله.
وكانوا قد شدوه بالقد فسقط عنه فخرج فإذا هو بناقة لهم فركبها فإذا هو
يسرح القوم الذين شدوه فصاح بها فأتبع آخرها أولها فلم يفاجئ أبويه إلا
وهو ينادي بالباب، فقال أبوه: عوف، ورب الكعبة،.. فقالت أمه: واسوأتاه عوف
كئيب بألم ما فيه من القد.. فاستبق الأب والخادم إليه فإذا عوف قد ملأ
الفناء إبلا. فقص على أبيه أمره فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: اصنع ما
كنت صانعا بإبلك ونزل قوله تعالى (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من
حيث لا يحتسب).
حادثة الإفك
تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في حديث الإفك: ( .. وأصبح أبواي
عندي وقد بكيت ليلتين ويوما لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم حتى إني لأظن
أن البكاء فالق كبدي.. قالت فبينا نحن على ذلك دخل رسول الله صلى الله
عليه وسلم علينا فسلم ثم جلس، قالت: ولم يجلس عندي منذ قيل ما قيل قبلها
وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني بشيء، قالت: فتشهد رسول الله صلى الله
عليه وسلم حين جلس ثم قال أما بعد يا عائشة إنه بلغني عنك كذا وكذا فإن
كنت بريئة فسيبرئك الله وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه فإن
العبد إذا اعترف ثم تاب تاب الله عليه. قالت: فلما قضى رسول الله صلى الله
عليه وسلم مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة، فقلت لأبي: أجب رسول الله
صلى الله عليه وسلم عني فيما قال فقال أبي والله ما أدري ما أقول لرسول
الله صلى الله عليه وسلم فقلت لأمي: أجيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم
فيما قال، قالت أمي: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم
فقلت، وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ من القرآن كثيراً: إني والله لقد
علمت لقد سمعتم هذا الحديث حتى استقر في أنفسكم وصدقتم به فلئن قلت لكم
إني بريئة لا تصدقوني ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني منه بريئة
لتصدقني فوالله لا أجد لي ولكم مثلا إلا أبا يوسف حين قال: (فصبر جميل
والله المستعان على ما تصفون) ثم تحولت واضطجعت على فراشي والله يعلم أني
حينئذ بريئة وأن الله مبرئي ببراءتي ولكن والله ما كنت أظن أن الله منزل
في شأني وحيا يتلى لشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله في بأمر ولكن
كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله
بها فوالله ما رام رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسه ولا خرج أحد من أهل
البيت حتى أنزل عليه، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء حتى إنه ليتحدّر منه
من العرق مثل الجمان وهو في يوم شات من ثقل القول الذي أنزل عليه، قالت:
فسري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك، فكانت أول كلمة تكلم بها
أن قال: يا عائشة أما الله فقد برأك، قالت: فقالت لي أمي قومي إليه. فقلت:
والله لا أقوم إليه فإني لا أحمد إلا الله عز وجل، قالت: وأنزل الله
تعالى: (إن الذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم) الآيات العشر، ثم أنزل الله هذا
في براءتي.
الطب النبوي
عن عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أردفه
خلفه فقال: (يا فتى ألا أهب لك ألا أعلّمك كلمات ينفعك الله بهن احفظ الله
يحفظك احفظ الله تجده أمامك وإذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن
بالله واعلم أنه قد جف القلم بما هو كائن واعلم بأن الخلائق لو أرادوك
بشيء لم يردك الله به لم يقدروا عليه واعلم أن النصر مع الصبر وأن الفرج
مع الكرب وأن مع العسر يسرا).
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أصاب مسلما قط هم ولا حزن فقال:
اللهم إني عبدك، ابن عبدك، ابن أمتك، ناصيتي في يدك، ماض فيَّ حكمك، عدل
فيَّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو
علَّمته أحدا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن
ربيع قلبي، ونور بصري، وجلاء حزني، وذهاب همي، إلا أذهب الله همه وأبدل له
مكان حزنه فرجا)، قالوا: يا رسول الله، أفلا نتعلم هذه الكلمات؟ قال:
(بلى، ينبغي لمن سمعهن أن يتعلمهن)
فادع بهذا الدعاء
عن أصبغ بن زيد قال: مكثت أنا ومن عندي ثلاثاً لم نطعم شيئا –أي: من
الجوع- فخرجت إلي ابنتي الصغيرة وقالت: يا أبتِ! الجوع! –تشكو الجوع- قال:
فأتيت الميضأة، فتوضأت وصليت ركعتين، وأُلهمت دعاء دعوت به، في آخره:
اللهم افتح عليّ منك رزقاً لا تجعل لأحد عليّ فيه مِنَّةً، ولا لك عليّ في
الآخرة فيه تبعة، برحمتك يا أرحم الراحمين! ثم انصرفت إلى البيت، فإذا
بابنتي الكبيرة وقد قامت إليّ وقالت: يا أبه! جاء رجل يقول إنّه عمي بهذه
الصرة من الدراهم وبحمّال عليه دقيق، وحمّال عليه من كل شيء في السوق،
وقال: أقرئوا أخي السلام وقولوا له: إذا احتجت إلى شيء فادع بهذا الدعاء،
تأتك حاجتك،
قال أصبغ بن زيد: والله ما كان لي أخ قط، ولا أعرف من كان هذا القائل، ولكن الله على كل شيء قدير.
مراد العامري – إب
أتدلُّ العبادَ على الله ثم تنساه؟!
عن شقيق البلخي قال: كنت في بيتي قاعداً فقال لي أهلي: قد ترى ما بهؤلاء
الأطفال من الجوع، ولا يحل لك أن تحمل عليهم ما لا طاقة لهم به،
قال: فتوضأت وكان لي صديقٌ لا يزال يقسم علي بالله إن يكن بي حاجة أعلمه
بها ولا أكتمها عنه، فخطر ذكره ببالي، فلما خرجت من المنزل مررت بالمسجد،
فذكرت ما روي عن أبي جعفر قال: من عرضتْ له حاجة إلى مخلوق فليبدأ فيها
بالله عز وجل، قال: فدخلت المسجد فصليت ركعتين، فلما كنت في التشهد، أفرغ
عليَّ النوم، فرأيت في منامي أنه قيل: يا شقيق! أتدل العباد على الله ثم
تنساه؟!
قال: فاستيقظت وعلمت أن ذلك تنبيه نبهني به ربي، فلم أخرج من المسجد حتى
صليت العشاء الآخرة، ثم تركت الذهاب لصاحبي وتوكلت على الله، وانصرفت إلى
المنزل فوجدت الذي أردت أن أقصد قد حركه الله وأجرى لأهلي على يديه ما
أغناهم..
ساقها لي بدعائي
كان رجلٌ من العباد مع أهله في الصحراء في جهة البادية، وكان عابداً
قانتاً منيباً ذاكراً لله، قال: فانقطعت المياه المجاورة لنا وذهبت ألتمس
ماء لأهلي، فوجدت أن الغدير قد جفّ، فعدت إليهم ثم التمسنا الماء يمنة
ويسرة فلم نجد ولو قطرة وأدركَنا الظمأُ، واحتاج أطفالي إلى الماء، فتذكرت
رب العزة سبحانه القريب المجيب، فقمت فتيممت واستقبلت القبلة وصليت
ركعتين، ثم رفعت يديّ وبكيت وسالت دموعي وسألت الله بإلحاح وتذكرت قوله:
(أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ) قال: والله ما هو إلا أن
قمت من مقامي وليس في السماء من سحاب ولا غيم، وإذا بسحابة قد توسّطت
مكاني ومنزلي في الصحراء، واحتكمت على المكان ثم أنزلت ماءها، فامتلأت
الغدران من حولنا وعن يميننا وعن يسارنا فشربنا واغتسلنا وتوضأنا وحمدنا
الله سبحانه وتعالى، ثم ارتحلت قليلاً خلف هذا المكان، وإذا الجدب والقحط،
فعلمت أن الله ساقها لي بدعائي، فحمدت الله عز وجل: ﴿وَهُوَ الَّذِي
يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ
وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِي